بلبريس سبورت كل مايخص الأخبار الرياضية الوطنية والدولية

رؤية الحسن الثاني وعزيمة محمد السادس..الطريق إلى استضافة “مونديال 2030”

بعد عقود من المحاولات، تحقق حلم المغرب أخيراً باستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم لعام 2030، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.

هذا الإنجاز التاريخي لم يكن مجرد انتصار رياضي، بل هو تتويج لعقود من العمل والمثابرة، وتأكيدا على مكانة المغرب كوجهة رياضية عالمية.

حينما نتحدث عن بدايات حلم المغرب باستضافة كأس العالم، لابد أن نستحضر الدور المحوري للملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان مهندس هذه الفكرة ورائدها.

مع تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، استمر العمل على تحقيق الحلم الذي بدأه والده الراحل. ومنذ البداية، اتسمت قيادة الملك محمد السادس بوضوح الرؤية والتخطيط الاستراتيجي في تطوير الرياضة المغربية، وخاصة كرة القدم.

توجيهات جلالته باعتباره “الرياضي الأول”، واهتمامه الكبير بالرياضة لم يتوقف عند الجانب التنافسي، بل امتد ليشمل بناء البنية التحتية، تطوير الكفاءات الوطنية ودعم الشباب.

خلال محاولات المغرب لاستضافة “المونديال”، وخاصة في ملفات 2010 و2026، حرص الملك محمد السادس على تقديم دعم قوي وشامل، سواء من خلال تعبئة الدبلوماسية المغربية أو عبر تسخير كافة الإمكانيات اللوجستية والفنية لضمان تقديم ملفات ترشح مشرفة.

ومع فشل محاولة 2026 أمام الملف الثلاثي الأمريكي، لم يكن ذلك نهاية الطموح، بل شكّل حافزاً لمزيد من العمل والتطوير.

جلالته كان وراء العديد من المشاريع الكبرى التي وضعت المغرب في مصاف الدول الرائدة رياضياً، مثل تدشين ملاعب عالمية، تطوير أكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي أصبحت نموذجاً يُحتذى عالمياً، وتشجيع الرياضة النسائية ودعم البنية التحتية بمختلف المدن والجهات.

ولعل التتويج الحقيقي لهذه الجهود تمثل في إعلان المغرب شريكاً أساسياً مع إسبانيا والبرتغال لاستضافة مونديال 2030، وهو الحدث الذي لم يكن ليتحقق لولا التوجيهات الرشيدة لجلالة الملك، وعمله الدؤوب على تعزيز موقع المغرب كفاعل رياضي عالمي.

اليوم، وبعد عقود من العمل المستمر، نجحت المملكة المغربية في تحويل الحلم إلى واقع، من خلال نهج قيادي متكامل بدأ مع المغفور له الملك الحسن الثاني واستمر بزخم أكبر مع الملك محمد السادس.

هذا النجاح هو شهادة حية على أن الطموح، حين يُقترن بالرؤية والعمل الجاد، يصبح حقيقة تلهم الأجيال القادمة.

من مكسيكو 1986.. بداية الحلم

انطلقت شرارة حلم استضافة المغرب لكأس العالم منذ تألق المنتخب الوطني في مونديال 1986 بالمكسيك، عندما أصبح أول منتخب إفريقي يصل إلى الدور الثاني في هذه المسابقة العالمية.

هذا الإنجاز التاريخي لم يقتصر فقط على الجانب الرياضي، بل كان بمثابة رسالة إلى العالم بأن إفريقيا، والمغرب تحديداً، يمتلكان الإمكانيات للمساهمة في الأحداث الكبرى.

بعدها بسنتين، وتحديداً في 26 مارس 1988، نظّم وزير الشباب والرياضة المغربي آنذاك، عبد اللطيف السملالي، لقاءً في الرباط جمع نخبة من الصحافيين الدوليين، قدم خلاله المجلد الأخضر الذي يوضح تفاصيل ملف ترشح المملكة لاستضافة مونديال 1994.

قامت المملكة ببناء ملف قوي مدعوم من الملك الحسن الثاني، الذي استند إلى دعم دول “العالم الثالث” في خطوة عكست طموح المغرب في تحقيق هذا الحلم الجماعي، لكن الأجواء داخل الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” كانت تعكس أبعاداً أخرى.

في ذلك الوقت، كانت المنافسة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية قوية، حتى دخلت البرازيل على الخط بإيعاز من رئيس “فيفا” جواو هافيلانج، مما أثر على نتائج التصويت. وفي 4 يوليوز 1988، حصل الملف الأمريكي على 10 أصوات مقابل 7 للمغرب، بينما حصلت البرازيل على صوتين فقط. كان القرار بمثابة خيبة أمل للمغاربة الذين تابعوا الأحداث بكل شغف، لا سيما بعد اتهامات بشراء الصوت التركي لصالح أمريكا، مما زاد الشكوك حول نزاهة العملية.

مونديال 1998.. صراع شرس مع فرنسا

بعد الخسارة بفارق بسيط في سباق مونديال 1994، استعد المغرب لخوض تجربة جديدة بتنظيم نسخة 1998. هذه المرة، كانت المنافسة تقتصر على ملفين فقط: المغربي والفرنسي، بعد انسحاب سويسرا لعدم استيفاء ملفها للمتطلبات. استثمر المغرب في ملف قوي، معتمداً على استمرارية الدعم الإفريقي والدولي.

إلا أن فرنسا، بقيادة ميشيل بلاتيني، تمكنت من انتزاع شرف التنظيم بعد حصولها على 12 صوتاً مقابل 7 للمغرب. أثارت النتيجة ضجة واسعة، حيث انتقد الإعلام الفرنسي المغرب بشكل لاذع، وظهرت مزاعم تفيد بمحاولات مغربية لرشوة بعض أعضاء “فيفا”، وهو ما نفت السلطات المغربية بشكل قاطع.

سنوات بعد ذلك، كشفت وثائق وتقارير عن تورط أسماء كبيرة في الاتحاد الدولي في قضايا فساد، من بينها مرحلة التصويت لمونديال 1998. المنصة الشهيرة “نتفليكس” سلطت الضوء في فيلم وثائقي على كواليس الفساد داخل “فيفا”، ما أكد شكوكاً سابقة حول انحرافات أثرت على حظوظ المغرب في استضافة البطولة.

مونديال 2006.. محاولة جديدة وخيبة مبكرة

مع مطلع الألفية الجديدة، استعد المغرب لتقديم ملف جديد لاستضافة مونديال 2006، في وقت كانت فيه القارة الإفريقية تنتظر أن تحظى بفرصة تنظيم هذه البطولة لأول مرة. لكن دخول جنوب إفريقيا كمنافس رئيسي من داخل القارة، إلى جانب ملفات ألمانيا وإنجلترا والبرازيل، جعل من المنافسة أكثر صعوبة.

رغم المجهودات الكبيرة المبذولة، لم يتمكن المغرب من تجاوز المرحلة الأولى من التصويت، حيث حصل فقط على صوتين. أما الصراع النهائي فقد انحصر بين جنوب إفريقيا وألمانيا، وانتهى بفوز الأخيرة بفارق صوت واحد. هذا الفارق الضئيل كان بمثابة وعد ضمني من “فيفا” لجنوب إفريقيا بأنها ستكون الوجهة القادمة.

مونديال 2010.. خسارة الرهان الإفريقي أمام جنوب إفريقيا

جاءت نسخة 2010 لتكون حصرياً من نصيب القارة الإفريقية وفق نظام المداورة الذي أقرته “فيفا”. ورغم هذا، كانت المنافسة شديدة بين المغرب وجنوب إفريقيا. اعتمد المغرب على استراتيجية شاملة تضمنت تعبئة الأصوات من أوروبا وإفريقيا وآسيا وحتى الأمريكيتين، إلا أن ظهور نيلسون مانديلا في يوم التصويت كان إشارة رمزية لترجيح كفة جنوب إفريقيا.

خسر المغرب بفارق 4 أصوات، رغم الجهود الكبيرة التي بُذلت لضمان الفوز. هذه الخسارة خلفت إحباطاً واسعاً في الأوساط المغربية، لا سيما أن هذه كانت المرة الرابعة التي يفشل فيها المغرب في تحقيق الحلم.

مونديال 2026.. مواجهة الملف الثلاثي الأمريكي

بعد سنوات من المحاولات، خاض المغرب تجربة مختلفة تماماً مع تقديم ملفه لاستضافة مونديال 2026، في مواجهة ملف مشترك بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. اعتمد “فيفا” هذه المرة على نظام جديد للتصويت شمل جميع الاتحادات الوطنية الـ207. ورغم الجهود المبذولة، فقد المغرب الرهان لصالح الملف الثلاثي الذي حصل على 67% من الأصوات.

أثار تصويت دول عربية وإفريقية ضد المغرب، مثل السعودية والإمارات والبحرين، جدلاً واسعاً داخل وخارج المملكة. ورغم ذلك، شكلت هذه التجربة درساً جديداً للمغرب في التعامل مع تحولات الساحة الرياضية الدولية.

Leave a comment